الفقر تراث / الاستاذ وفيق أسعد
الجوع ذو أصل و نسب
مَنْ ينكر جوعه لا أصل له
* * *
أسعد لا يعرف فك الحرف
لا يعرف أسماء الله الحسنى ؛ لكنه يعرف تسعاً و تسعين اسماً للجوع
أسعد لم يركع يوماً للرب أو لسواه ؛ لكنه يعرف أن وراء السموات السبع إلهاً يرتب جنته لسواه
* * *
أسعد لا يعرف السُّكر ؛ لكنه ثمل حين نزع من تربته احمرت عيناه و هاج : لم يمت أخي الإنسان ؛ قتله أخوه الحيوان ...
و يطير أسعد ، يرى البرق و البرقوق ، يصافح الأبواب و الدروب ، يشم كلس البيوت ، ثياب عرسه النائمة في صندوق
يوقظ الناي و يرقص ، تستيقظ المذراة و المحراث ، يزغرد شوق الخوابي ...
يفرح ...
يفرح ...
يفرغ دموعه ، يتمرغ كالمُهر ، يستلقي ... يعدُّ على أصابعه عمره ؛ يعدُّ ستين غيمة و يعود ...
* * *
لم تعد البيوت تليق بالمفاتيح الصغيرة ، ولا مفاتيح الملوك تليق بالبيوت ، لا مصطبة يرتاح عليها و لا امرأة تدعوه لرغيف تنور ....
هنا انكسر أسعد ، فرفر كالعصفور و همد : يعدُّ على أصابعه عمره ...
يقبل ذاته و يضحك
زواريب و مزاريب
أعشاش و سلال
يقبلها و يضحك
بيادر و قطاف
بئر و صبايا
يقبلها و يضحك
قطيع و ناي
مواقد و حكايا
يقبلها و يضحك
كل ما فيها هادئ
عتيق و متناثر
كل ما فيها قرية
يقبلها و يضحك
كيف يرتبها ؟!
يحتار أسعد ؛ كيف يدخلها؟؟
عشوائياً كالسواقي ؟!
متناثراً كالحصى ؟!
بعرس ؟!
أمْ وحيد ...
يلم ذاته و يعدّ على أصابعها عمره : ستون شيئاً يصلح لتشكيل قرية ؛ ستون مدخنة لتشكيل غيمة ... بعد موت المداخن أين تنام العصافير؟!!
* * *
أسعد في المدينة يطارد الرغيف ، ينتظر تحت شجرة ظنها المجنون موقفاً ...
تمر الحافلات ...
يمر ليل ...
يمر نهار ...
يمر ...
و تمر ....
يتعب ...
يجلس ، يعدّ على أصابعه عمره ...
ستون خيبة يعدّ
يعدّ و ينتظر ....
* * * *
وفيق أسعد