الإنتماء للوطن قيمة إسلامية / الشيخ يوسف ادعيس الشيخ

الإنتماء للوطن قيمة إسلامية

الشيخ يوسف ادعيس الشيخ

رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي

القائم بأعمال قاضي قضاة فلسطين

إن حكمة الله سبحانه وتعالى قضت أن يستخلف الإنسان في هذه الأرض

ليعمرها على هدى وبصيرة قال سبحانه وتعالى: }هو الذي أنشأكم من الأرض

واستعمركم فيها{ "سورة هود آية 61 ".

وجعل حب الوطن غريزة متأصلة في نفس الإنسان تجعله يستريح إلى البقاء

فيه ويحن إليه إذا غاب عنه ويدافع عنه إذا تم الاعتداء عليه ويثور ويغضب إذا

انتقص وإن البشر بمجموعهم يألفون أرضهم على ما بها ولو كانت قفرا مستوحشا

لأن الله سبحانه وتعالى خلقهم من طين وفطرهم على حب الأرض التي خلقهم

منها وركبهم من عناصرها وفيها يعيدهم ومنها يخرجهم تارة أخرى لهذا يحب

الإنسان أرضه ووطنه الذي فيه ولد ونشأ وترعرع بحب الوطن.

وحب الوطن من الأمور الفطرية التي جبل الإنسان عليها وأقرها الإسلام وجعلها

من أسس بناء المجتمعات والحديث عن الوطن من الدين ومن جوانب خطابه فإنه

عز وجل أقسم بالبلد وقال تعالى: }لا أقسم بهذا البلد{ وقال عز وجل: }وهذا

البلد الأمين{ ولنتعلم من النبي صلى الله عليه وسلم حب الوطن حيث ولد في

مكة وعاش فيها وترعرع في أحضانها وتجول بين جبالها ووديانها ولما اصطفاه الله

سبحانه وتعالى نبيا وتعرض لصنوف من حملات الاضطهاد والتعذيب وكذلك

أصحابه أيضا فقتل منهم من قتل وهجر منهم من هجر، فلما أمر بالهجرة إلى

المدينة تاركا مكة مكرها غير مختار حيث أخرجه قومه منها وهو على مشارف

مكة خاطب مكة جبالها ووديانها وبيوتها وأرضها والحزن يعتصر قلبه والدمع يملأ

عينيه وهو يقول: )ما أطيبك من بلد وما أحبك إلي ولولا أن قومك أخرجوني

منك ما سكنت غيرك( "رواه الترمذي".

فحب الوطن قيمة إسلامية وإيمانية وهي سمة من سمات المؤمن الصادق والوطن

للإنسان ضرورة حياتية ومطلب لتحقيق أمن واستقرار لأن من خصائصه ككائن

بشري أن يكون له حاجات وعليه واجبات فلا بد له من أرض يعيش عليها حياة

كريمة حيث يتزوج ويتكاثر عليها وبعد وفاته يجد حفرة في ترابه تحتضن

جثمانه وإذا فقد الوطن اختل نظام حياته وتهدد وجوده وانتابه الخطر والدمار

والفوضى والمشقة وإن منهج الإسلام القويم أعلى من قيمة الوطن وجعله أحد

أهم أسس بناء الأمم وصمام أمان المجتمعات وإن الانتماء للوطن فريضة لازمة

لا مناص منها فعلى الإنسان أن يعمل لخير بلده وأن يتفانى في خدمته وأن

يحافظ على مقدراته ومقوماته والتصدي لكل أمر يترتب عليه الإخلال بأمنه

وسلامته والعمل على رد كل اعتداء عليه بمختلف الوسائل والإمكانات الممكنة

والمتاحة ولهذا نجد ان الإسلام شرع الجهاد للمسلمين للدفاع عن حريتهم وكرامتهم

وعقيدتهم وأوطانهم إذا أخرجوا منها وإذا ما اغتصب شبر من أرض المسلمين فإنه

يصبح فرض عين على كل مسلم ومسلمة من أجل تحريره، وصدق الله العظيم

حينما قال:}لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من

دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن

الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم{ "سورة الممتحنة 8- 9".

وقد تضافرت الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع الأمة على

وجوب الجهاد والدفاع عن الأرض الإسلامية وخاصة الأرض لتي تتعرض للغزو

والاحتلال ومن ذلك : قول الله تعالى : }انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم

وأنفسكم في سبيل الله{ ]التوبة: 41 [، وقوله سبحانه: }كتب عليكم القتال{

]البقرة: 216 [، وقول الله تعالى }يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا

في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض{ ]التوبة: 38 [. وقال النبي - صلى الله عليه

وسلم - : " إذا استنفرتم فانفروا ".

وقال أهل العلم : إذا نزل الكفار ببلد، تعين على أهله قتالهم ودفعهم.

لهذا أناشد الأهل في فلسطين المحافظة على أرضهم والدفاع عنها والثبات

فيها حيث أنها أرض الرباط، فيها القدس الشريف درة الأرض والمسجد الأقصى

المبارك أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين ومهبط الوحي ومقر

الأنبياء ومقصد

الأولياء .

إن أرض فلسطين هي الأرض المباركة التي باركها الله سبحانه وتعالى ومن

حولها فشرف الرباط فيها عظيم والارتباط بالقدس والمسجد الأقصى ارتباط

عقائدي.

نسال الله سبحانه وتعالى أن يحفظ القدس والمسجد الأقصى المبارك وفلسطين

من كيد الكائدين وتآمر المتآمرين وأن يجعلنا ممن ينال شرف الرباط فيها وأن

يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه .

جزاك الله خيرا وبارك الله لك وعليك
دمت بحفظ المولى