السلطان للأمة / عطية الجبارين

السلطان للأمة
عطية الجبارين
ان الشرع جعل خليفة المسلمين ينصب بالبيعة من المسلمين لا من قبل
جماعة معينة كالجيش او الاحزاب السياسية او من على شاكلتهم فعقد الخلافة
هو عقد مرضاة واختيار كسائر العقود لا يتم الا بالتراضي بين الطرفين واذا
فقد احد الطرفين بطل العقد ولم يكن شرعياً. ومسألة اغتصاب الحكم
والسلطان من اي احد كان هي مسألة خطيرة تجر على الامة الويلات وتوجد
حالة من التشرذم وفقدان الثقة في المجتمع وبالتالي حدوث شرخ يؤدي الى
وهن المجتمع ويسهل على الاعداء النيل منه فالذي يغتصب هذا الحق الذي
جعله الله سبحانه وتعالى حقاً للأمة وحدها يكون قد ارتكب وزراً كبيراً ومسألة
اغتصاب السلطة مسألة خطيرة جداً وهي من المحرمات والاسلام اوجب على
المسلمين عدم السكوت على هذا المنكر وعلى المسلمين مقاتلته بالسيف اي
باشهار السلاح في وجهه حتى يمنع من اغتصاب السلطة وحتى تسترد الامة
السلطة منه ويعاد هذا الحق لها.
ان الامة في هذا الزمان تفتقد لهذه القاعدة ولغيرها من قواعد نظام الحكم
وذلك لغياب الدولة الاسلامية المطبقة للاسلام باحكامه وافكاره ومعالجاته،
فالواجب على الامة الاسلامية العمل يداً واحدة لاعادة هذه الدولة واعادة
حقها المغصوب في السلطان تبايع اماماً بالرضى والاختيار تعطيه هذا الحق
على ان يحكمها بالاسلام وحده دون ان يخالطه اي فكر او وجهة نظر اخرى،
فالبيعة بين الامة والحاكم لا تكون الا على ان يحكمها الشرع الاسلامي وغير
ذلك لا تعتبر البيعة شرعية ولو اخذت بالانتخابات وصناديق الاقتراع.
ان الامة الاسلامية وعلى مدار تاريخها الطويل منذ هجرة الرسول صلى
الله عليه وسلم الى المدينة واقامته دولة الاسلام وحتى هدم دولة الاسلام في
عام ١٩٢٤ وهذه القاعدة الشرعية المهمة )السلطان للامة( تجسدها عملياً لا
يصبح الخليفة شرعياً الا بها وان كان يحصل اساءة احياناً في امر البيعة كما
حصل من معاوية بن ابي سفيان بالنسبة لابنه يزيد ولبعض الخلفاء من بعده،
فلم يحصل ان اصبح للمسلمين خليفة الا بالبيعة وان اسيء فهم واخذ البيعة
احياناً، فكان دائماً وعلى طول التاريخ الاسلامي السلطان للأمة.
في ظل غياب الحكم الاسلامي عن الوجود يراود المسلم سؤال مهم، اذا نجح
حزب او جماعة اسلامية في السيطرة على الحكم في قطر من الاقطار وأعلن
امير هذا الحزب او الفئة نفسه خليفة للمسلمين فلا يتأتى ان تبايعه الامة
في الحال، ومن هنا يكون السلطان مأخوذاً من فئة من المسلمين لا من المسلمين،
فهل تعتبر بيعته بيعة شرعية وبها تعود قاعدة السلطان للأمة؟!.
ان الحال الذي تعيشه الامة اليوم هو حال شاذ وليس طبيعياً فالحال
الطبيعي ان تعيش الامة الاسلامية في ظل احكامها وافكارها ومعالجتها المأخوذة
من المبدأ الاسلامي في كيان واحد له حاكم واحد، فالواقع الذي تعيشه الامة
الاسلامية اليوم هو غياب كل الفروض ومنها فرض البيعة وفرض قاعدة
السلطان للأمة فاذا ما نجح اي احد او حزب او فئة من المسلمين في اعادة
هذا الفرض فيكون حقق المطلوب والواجب ويكون قائداً للأمة لان من يعيد
الفرض الغائب له الحق في ذلك وهذه حالة استثنائية، اما بيعة الامة وقاعدة
السلطان للأمة فلا يمكن ان يتأتيا للأمة جميعها في ظل شرذمة الامة وتفرقها،
وهنا لا ينتظر حتى تتحقق وحدة الامة كاملة لحدوث البيعة واعادة قاعدة
السلطان للامة، بل اذا تحقق هذا الامر في قطر وانطبق عليه صحة شروط
الخلافة والدولة الاسلامية كان الامر مجزأ فالامر متعلق بفرض غائب يجب
اعادته، والاثم باق على المسلمين جميعاً حتى يتحقق اعادة هذا الفرض وسواه،
فيجب على المسلمين جميعا العمل يداً واحدة لاعادة الامة الى عزتها ومكانتها
الطبيعية تحكم بشرع ربها في كيان واحد يلم شملهم ويظلله.

جزاك الله خيرا وبارك الله لك وعليك
دمت بحفظ المولى