استراتيجيات دولية جديدة / بسام أبو شريف٭

استراتيجيات دولية جديدة /

بسام أبو شريف٭





ما يسمى بالربيع العربي ليس ربيعا، بل

هو إشعال لسباق وتنافس عالمي في ميدان صراع

المصالح ورسم استراتيجيات جديدة لخدمة تلك

المصالح. لا شك أن الكبت الذي تشعر به الجماهير

العربية متعدد العوامل، فالمواطن العربي يعرف بان

أرضه هي أغنى بقاع العالم الآن وفي المدى المنظور

(النفط- الغاز- المعادن- اليورانيوم)، ولا شك أنه

يعاني أكثر من أي فقير في العالم من نقص في الغذاء

والرعاية الصحية، والتعلم والسكن وقلة المياه

وغياب البنية التحتية، وكذلك فقدان كامل ﻟﻤﺠالات

التطوير العلمي والمعاهد المتخصصة، وموازنات

البحث والتطوير.

(الأمور التي أشبعت بها بلدان تنهب الثروات

العربية قياما وقعودا).

ويزداد كبت المواطن عندما يرى في أنظمته أنظمة

يعشش فيها الفساد، ونهب ما تبقى من دخل البلاد،

ويرى تلك الأنظمة سعيدة بالقصور، وغير معنية

بالتنمية والتطوير والأمن الغذائي، والأمن المائي

والأمن الصحي للمواطنين.

وفوق هذا وذاك تخضع كليا لإستراتيجية

الغرباء، لمنع العلم والبحث والتطوير في البلاد

صاحبة الثروة. ويرى المواطن الحروب تشن، لمنع أي

خروج عن تلك الاستراتيجيات، لإبقاء الأمة العربية

في مستنقع الجهل والتخلف للغرب والشرق.

هذا الكبت توبع ودرس دراسة عميقة من أصحاب

إستراتيجية الإخضاع والإذلال والنهب، وقدرت تلك

الجهات المعادية للنهضة العربية والمعادية لوحدة

العرب. إن البركان سينفجر في مجتمعات عربية

منعت شعوبها من العمل السياسي على مدى عقود

طويلة من الزمن (خمسين عاما).

بركان سينفجر في بلدان لم يسمح فيها الغرب

والأنظمة لتنظيم أن يتحرك، سوى تنظيمات

تصب في خانة بعيدة عن خانة الوحدة العربية

والنهوض العربي : خانة الدين والطائفية والابتعاد

عن الأهداف القومية والوطنية (وأي حماية

لدولة يهودية أكثر من الابتعاد من القومية نحو

الطائفية).

وهذا ما بدأ في العالم العربي.. (تونس ليبيا

العراق مصر) والآتي على الطريق.

وشجعت ومولت وأيدت هذه الجهات الناهبة

للأمة وثرواتها والمعادية لوحدتها ونهوضها.

وبدأت قوى طائفية تتحكم بمصائر الأمور وراحت

تلك القوى تعتمد على دعم أمريكا والغرب، خشية

نهوض قومي سريع ، فهذه فرصتها ولكن إلى متى؟

وتحاول هذه القوى الآن أن تحطم سوريا

وجيشها تحت شعارات حقة، ولكن بنيات غير

سليمة.

فمطالب الشعب السوري حقة، إذ لا أحد يقبل

بغياب الحريات السياسية وإرهاب اﻟﻤﺨابرات ومنع

الحريات وغياب الديمقراطية.

ولكن لا أحد يقبل أيضا أن تلجأ تلك القوى

المشبوهة للسلاح والقتل ،لأنها تجر إلى تلك المعركة

جيشا يجب أن يتصدى لإسرائيل وتجر على المدن

والقرى ويلات التدمير والنزيف.

فالذي يلجأ للسلاح لتحقيق مطالب الشعب

الحقة هو عدو الشعب، ولا يخدم سوى مخطط

الراغبين بهدم سوريا القلعة الصامدة في وجه

الخضوع للصهيونية. وبدأت هنا بالضبط نقطة

التحول.. النقطة التي بدأت فيها القوى العالمية في

إعادة درس وبحث إستراتيجيتها، لإعادة رسمها

لتتلاءم مع الجديد.

ظنت الولايات المتحدة أنها تمكنت من السيطرة

أكثر مما كانت في عهد مبارك وقبل مقتل القذافي

الخ... ولكن في مصر بدأت صحوة التيار القومي

وتنبه قادة القوات المسلحة الذين يقفون في وجه

العدو، لما يراد بمصر ابتداء من حروب كرة القدم.

مرورا بتوجهات تعديل الدستور الى تحالف هذه

القوى مع الولايات المتحدة ودول أوروبية.

وتنبه القادة العسكريون إلى أن أكثر من ثلاثة

مليارات دولار ضخت عبر قنوات تنظيمات غير

حكومية، لتمكين هذه القوى المشبوهة من الانحراف

بالحراك الشعبي، من أجل نهضة الأمة وتعزيز

الموقف القومي وتنحية البلاد ومحاربة الفساد.

في سوريا حصل أكثر من ذلك..

إضافة للتنبه الداخلي فقد تنبهت روسيا لأول

مرة، منذ حرب الولايات المتحدة لتدمير العراق

تحت أسباب كاذبة لفقتها هيئة الطاقة الدولية ونهب

نفطه كما جرى وتمكين الطائفية من السيطرة، لتبقي

العراق لأجيال قادمة خاضعا للسيطرة الأمريكية.

لأول مرة ينهض الروس في محاولة لمنع هيمنة

أمريكية كاملة على الشرق الأوسط.

فوقفوا الى جانب سوريا (بينما لم يقفوا الى

جانب العراق وليبيا).

وهذا يعني أن هنالك بداية لإعادة رسم

استراتيجي روسي في المنطقة، وسوف يؤثر ذلك

على استراتيجيات الولايات المتحدة وأوروبا،

وسيضطرهما لإعادة رسم استراتيجياتهما في

المنطقة. هذا من ناحية ..

من ناحية أخرى نرى بوضوح أن الولايات

المتحدة اضطرت هي وأوروبا للتراجع أمام موقف

روسيا والصين.

مما يدل على أن تلك القوى تعلم أن أبعاد القرار

الصيني والروسي أبعادا جدية وأن عليهما ( أوروبا

وأمريكا) أن تعيدا حساباتهما نحو فكرة الشراكة

المتنافسة وبعيدا عن الانفراد في الشرق الأوسط.

كل هذا في ظل ظروف لا يستطيع أحد أن يقلل من

خطورتها على مجتمع الولايات المتحدة واﻟﻤﺠتمعات

الأوروبية وهي ظروف الضعف الاقتصادي، والذي

يكاد يؤدي ببعض البلدان الأوروبية للانهيار

المالي.

فأوروبا تعلم أن سببا من أسباب ضائقتها المالية،

هو سياسة الولايات المتحدة تجاه أوروبا (تجاريا

وصناعيا).

وان الولايات المتحدة تشن حربا سرية اقتصادية

على الأوروبيين، في محاولة لمنع انهيار اقتصادها..

وان السباق من أجل الهيمنة على الشرق الأوسط

هو سباق اقتصادي ومصلحي بالدرجة الأولى..

ونرى أن تلك المعركة ضد أوروبا تفتح الأبواب على

مصراعيها أمام تغيير استراتيجي كبير:

أولا: داخل أوروبا تبرز احتمالات بروز محاولات

التخلص من الالتزامات السابقة بوحدة العملة

والسوق الأوروبيين. ثانيا: تبرز احتمالات قيام

مع « أربح لها » دولة من أوروبا بمد جسور اقتصادية

دول من خارج السوق.

مثلا: نرى تقاربا بريطانيا أمريكيا ونرى بداية

تقارب ألماني روسي. فيما نرى فرنسا تترنح تحت

وطأة الأزمة الاقتصادية واسبانيا.

ونرى بعض الدول تتقارب مع الصين لنفس

الأغراض.. ولكن التطور المتوقع، هو أن روسيا

ستقدم لدول أوروبية عروضا مغرية للتعاون

الثنائي، لتقوية مواقعها الإستراتيجية مع الولايات

المتحدة التي ستسعى بدورها لإرضاء روسيا،

نسبيا، سياسيا، واقتصاديا، أملا بقيام روسيا بدور

لتدجين الصين وكوريا الشمالية.

الاستراتيجيات ستتغير، هذا مؤكد وهنا تبرز

القضية الجوهرية:

أمام هذا التغير، ستبرز قضية القضايا في الشرق

الأوسط مرة أخرى، رغم محاولات إسرائيل شطبها

من جدول أولويات الإدارة الأمريكية الحالية

واللاحقة (وبأسرع وقت ممكن).

فالولايات المتحدة (إدارتها الجديدة) ستكون

مضطرة لإعادة حساباتها السياسية، لتحمي نفسها

ولتحمي الاقتصاد الأمريكي من الانزلاق نحو أزمة

خانقة.

كذلك ستكون أوروبا مضطرة لإعادة رسم

استراتيجياتها السياسية، في ظل بروز تحالفات

اقتصادية جديدة بين دول من أعضاء الاتحاد

الأوروبي ودول من خارجه.

مثلا: تحالف اقتصادي جديد بين ألمانيا وروسيا

يستند الى تزويد روسيا ألمانيا بالطاقة وفتح اﻟﻤﺠال

أمام ألمانيا لبناء مصانع لمنتجاتها على الأرض

الروسية كما فعلت اليابان في الصين.

الاستراتيجيات الجديدة سوف تعني انتكاسة

للهجوم الإسرائيلي الصاعق لتهويد فلسطين ودفن

حق الفلسطينيين بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها

القدس الشريف.

وسوف تعني انتكاسة لنظم عربية، ظنت أن

الاستراتيجيات ستبقى وحيدة الجانب.

وسيصاب نتنياهو بنكسة قد تنهي حياته

السياسية، لأنه سيظهر للإسرائيليين أن ما يظنونه

تأييد أمريكي شعبي عارم لإسرائيل، ما هو إلا قشرة

تخفي تحتها رفض أمريكي لدفع المزيد من الأموال

لتهويد الضفة وقتل الأطفال وتدمير البيوت في

فلسطين.

الأمريكيون سيشعرون بالقهر تماما كما تشعر

الآن قياداتهم السياسية والعسكرة، فالقادة

مجبرون على الخضوع للوبي الصهيوني وهذا يولد

فيهم شعورا بالقهر ويولد فيهم الرغبة للتخلص من

قيود الحركة الصهيونية.

وسيشعر الإسرائيليون أنفسهم أن غوش أمونيم

التي يحكم نتنياهو إسرائيل ببرنامجها هي وبال

وكارثة على اليهود وليس غير ذلك.

٭ مستشار الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات

جزاك الله خيرا وبارك الله لك وعليك
دمت بحفظ المولى